لماذا لم تظهر نبيات- نقص في الأخلاق، لا القدرات

المؤلف: بشرى فيصل السباعي10.10.2025
لماذا لم تظهر نبيات- نقص في الأخلاق، لا القدرات

مِن التفسيرات الشائعة التي تُقلّل من شأن المرأة وتطعن في حصافة عقلها وقدراتها الذهنية هو الادعاء بأنَّ السبب وراء عدم وجود نبيّات يرجع إلى قصورٍ في أصل تكوين المرأة، مع الإقرار بأنَّ أصلَ خلق النساء، أي الروح، هو عينُه الموجود لدى الرجال، ممّا يعني اشتراكهن في كافة القدرات والمزايا الروحانية التي يتمتع بها الرجال، مصداقًا للآية الكريمة: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ). إذاً، لماذا لم تُرسَل أيُّ امرأةٍ لتكون نبيّة؟ الإجابة تتجلّى حتى في عصرنا الحالي، الذي يُفترض أنَّه عصرُ القانون وحقوق الإنسان؛ فما إن تنحازُ المرأة إلى صفوف المعارضة، حتى تتعرَّض للاغتصاب الجماعي الوحشي، الذي غالبًا ما يفضي إلى الموت، كما حدث في سوريا وغيرها من الدول العربية التي شهدت ثوراتٍ واضطرابات. وفي أوروبا، كانت المرأة تُجرَّد من أنوثتها بالقوة عبر اقتلاع ثدييها. هذا هو المصير الذي كان ينتظر أي امرأة لو بُعثت نبيّة، فالصحابية سمية خياط قُتلت طعنًا برمح أبي جهل، وامرأة أخرى صُلِبت عارية ورأسها إلى الأسفل. إذًا، العيب يكمن في أخلاق الرجال المتدنية وليس في قدرات المرأة المحدودة. ويكفي أن نتذكَّر أنَّ النبي زكريا عليه السلام قتله قومُه بطريقة بشعة، إذْ نشرُوه بالمنشار إلى نصفين، فماذا كانوا سيفعلون بامرأة؟ وقد تكرَّر في القرآن الكريم ذكرُ أنَّ غالبية الأنبياء قُتلوا على يدِ أقوامهم بأفظع الطرق. والتاريخ يشهد بأنّه على الرغم من التضييق على النساء وإقصائهن عن أي دور عام، إلا أنّهن متى ما سنحت لهن الفرصة أظهرن من القدرات والكفاءات ما لا يقلُّ بحالٍ من الأحوال عن قدرات الرجال، سواء في الشرق أم في الغرب. فعلى سبيل المثال، وحتى مطلع القرن الماضي، كانت تُروى في المقاهي الشعبية في بلاد الشام قصةُ الفلسطينية "ذات الهمة"، التي تعتبر أطول سيرة في التاريخ العربي، والتي تقع في سبعين مجلدًا، وتُجسِّد بطولاتها في الدفاع عن ثغور المسلمين والتصدي للروم، وذلك بعد أن بايعها أهل تلك المناطق الحدودية وكلَّفها الخليفة الأموي بتلك المهمة. وفي عصرنا الراهن، انخرطت النساء في جميع الوظائف الهامة، والتي تتضمن اتخاذ القرارات المصيرية، كالقضاء ورئاسة الحكومات والوزارات والطب وريادة الفضاء. ولكن ممّا يدعو للأسف أنَّ نجاحات النساء ودورهن التاريخي مُتجاهَلة ولا يتم تسليط الضوء عليها، على الرغم من أنها تعتبر نجاحًا يفوق نجاح الرجال، لأنَّ الرجال كانت لهم حرية كاملة في النجاح في الأدوار العامة، بينما كانت النساء ممنوعات ومُقْمَعات ومحرومات من الحقوق الأساسية، كالحق في التعليم والعمل والخروج من البيت. ولذا، فإنَّ المرأة التي تنجح في اختراق تلك العقبات تمتلك قدرات تفوق قدرات الرجال بأضعاف مضاعفة، كما هو الوضع الآن في أفغانستان، التي منعت حكومتها تعليم وعمل النساء وخروجهن من البيت بدون محرم، ولذا فإنَّ بروز أي امرأة أفغانية في أي مجال يعتبر معجزة. وفي الديانة اليهودية، كانت النساء ممنوعات من دخول معبد الهيكل، ولا يزال هناك قانون يمنع النساء حتى في عصرنا من الصلاة عند ما يسميه اليهود حائط المبكى، الذي يعتقدون أنّه من بقايا معبد الهيكل، وهناك باستمرار صدامات بين النساء اللاتي يصررن على الصلاة عنده وبين المتطرفين الذين يعتدون على النساء حتى مع وجود الشرطة، أي أن تخلف الرجال الفكري في نظرتهم للمرأة هو السبب وليس نقصًا في قدرات النساء. أمّا سبب نظرة الرجال السلبية للنساء فهو ذاته سبب نظرة إبليس السلبية لآدم، فهو رأى أنَّه أفضل منه بعنصره وتكبَّر بعنصره وحقَّر آدم بعنصره، كما يتم تحقير النساء بعنصر الأنوثة والتكبر عليهن. لكن هناك من أنصفهن مثل الحافظ الذهبي الذي شهد بأنَّه لم توجد امرأة من رواة الحديث تورطت في الكذب في الرواية، بعكس الرجال الذين تورط كثير منهم في الكذب ووضع الحديث؛ «وما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها».

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة